هل الإسراء والمعراج تناقض العلم؟

يجب التفريق بين محالات العقول ومحارات العقول. فالذي يستحيل عقلا لا يمكن حصوله أبدا، كالقول بأن الجزء أكبر من الكل مثلا، لكن ما يحتار فيه العقل ولا يتناقض معه فلا يصح نفيه أبدا.

يعني مثلا لو أنك تعيش في القرن السادس عشر الميلادي وقيل لك إن مئات الأشخاص سيطيرون على مركبة من القاهرة إلى الصين بارتفاع عشرة آلاف ذراع، أو قيل إنك ستحادث شخصا في مكة وتراه وأنت في القاهرة صوتا وصورة، فهل هذا من محالات العقول أو محاراتها؟

إن نفيت إمكان ذلك فأنت مخطئ، فالمنطق يعارضك والواقع يكذبك.. لكن إن نفيت احتمال ذلك وأنه مثير لحيرة العقل فإن جوابك هنا مقبول.

فالإسراء والمعراج مثلا، بالمعيار المنطقي، من محارات العقول، وهنا وجه الإعجاز. ومثل ذلك وجود رجوم الشياطين في السماء الدنيا، فهذه أمور غيبية، ومثلما أن الشياطين كائنات غيبية لا نستطيع نفيها ولا نفي رجومها، سواء كانت رجومها خاصة بها أو كانت هي نفس المذنبات التي نراها وتؤدي وظيفة غيبية هي رجم الشياطين، فإن هذا الأمر لا يمكن نقضه عقلا بحجة أنه يناقض العقل وإن كان يثير حيرته.

لكن الإشكال هنا يقع عند الملحد الذي ينفي بلا برهان، ويبني نقاشه في هذه الأمور على منهجية خاطئة تماما؛ فإذا علمنا أن إيمان المسلم بهذه الغيبيات مبني على مصدر واحد فقط هو الوحي، والوحي مصدر معتبر عند المسلم وغير معتبر عند الملحد، فمن الغفلة لدى الملحد أن يناقش المسلم في هذا الأمر الغيبي نقاشا فيزيائيا وقد ثبت عنده بالوحي وليس بالفيزياء.. في حين أن المسلم لم يطالب الملحد أصلا بالإيمان بهذه الغيبيات التي استدل عليها بالوحي.

ولو كان الملحد ذا عقل مميز لناقشني في الأصل قبل الفرع، وهو وجود الخالق وصحة الوحي.


شارك هذه الصفحة مع الناس، فواللهِ لَأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ.