حول نظرية التطور

تنبيه: المقصود هنا هو التطور الماكروي (الكبروي) بين الأنواع، أما التطور المايكروي (الصغروي) داخل النوع الواحد فهو مثبت علميا ولا إشكال فيه.

هواة التطور

على كثرة ما يُطرح من مواضيع لنقض التطور والداروينية من منظور علمي بحت، وما يضاف لهذا الطرح من تحدٍّ موجّه لأدعياء العلم الذين يعتبرون التطور حقيقة علمية، وعلى كثرة ما نطالبهم بدليل علمي يثبت صحة التطور بشروط الأدلة العلمية المعيارية المعروفة عند العلماء (دليل قابل للدحض، وقابل للرصد والملاحظة، وقابل للتجربة وقابل للتكرار)، ولكن لا توجد إجابة!

كل ما هنالك من ردود هو الاتهام بعدم فهم النظرية! وكأنها نظرية باطنية غامضة تكتنفها الأسرار، ويجب أن يؤمن بها الجميع ولا يفهمها إلا النخبة.. أي منطق علمي هذا؟

ما نطالب به هو دليل علمي يثبت حدوث التطور بين الأنواع.. هذا هو المطلوب بكل وضوح! ليس هناك ما يثير أو يستدعي الغضب وتوزيع الاتهامات..

التطوري ببساطة يدعي أن النظرية حقيقة، وعندما تطالبه بالدليل يجيبك: وما الدليل على عدم صحة النظرية؟

هذه العقلية في الإثبات تذكرنا بعقلية جحا عندما نظر إلى السماء وقال إن عدد النجوم 56256 نجمة، فلما طالبوه بالدليل أجابهم: ها هي السماء فوقكم، عدوا النجوم بأنفسكم وأثبتوا أنني على خطأ!

فلا تكن أيها التطوري مثل جحا؛ تدعي صحة النظرية بلا دليل ثم تطالبني بدليل ينقضها.. والمبدأ عند أهل الأصول هو أن البينة على المدعي وليست على من أنكر، أي أن عبء الإثبات يقع على صاحب الدعوى.

النظرية تُدرّس في الجامعات

أحيانا نصادف شخصا تطوريا لا يعرف شيئا عن الدليل العلمي، فيستدل على صحة التطور بأن النظرية تُدرّس في الجامعات العالمية.. وهو يظن أن مجرد تدريسها يعد دليلا علميا! ولو أن باحثا فعل ذلك لصار أضحوكة بين زملائه.. فماذا عن الهندوسية والزرادشتية التي تُدرس في الجامعات العالمية؟ هل نعتبر ذلك دليلا على صحتها؟

قدّم ورقة علمية واهدم النظرية

كثيرا ما ترى الرد على انتقاد النظرية بعبارة "قدم ورقة علمية واهدم النظرية وخذ جائزة نوبل!" والحاصل أن المنهجية العلمية لا تعمل بهذه الطريقة لسببين: الأول، أننا في مرحلة المطالبة بالدليل العلمي على صحة النظرية، فلا معنى للسعي لهدم نظرية لم تثبت بعد. والثاني هو أن الأوراق العلمية لها معايير معروفة في البحث العلمي، فهي مقيدة من ناحية حجم البحث وطريقته ومنهجيته ونطاقه بحيث لا يتطرق إلا إلى جزئية محددة.

حجة المجتمع العلمي

قد يقول التطوري إن نظرية التطور حقيقة علمية لأن المجتمع العلمي يقبلها! وهنا تستطيع أن تميز بين من يعرف الدليل العلمي بشروطه التي ذكرناها قبل قليل وبين من يمارس بقصد أو بغير قصد مغالطة الاستدلال بالسلطة (appeal to authority)، وهو هنا الاستدلال برأي شخص لأنه من السلطة العلمية رغم أن ذلك الشخص لا دليل لديه يقدمه لإثبات رأيه.

هناك أمثلة واضحة تثبت خطأ الاستدلال برأي المجتمع العلمي واعتباره دليلا علميا، فقد آمن المجتمع العلمي خلال فترات ماضية بنظريات وأفكار مختلفة، وربما اعتبرها العلماء من المسلمات، ولكن ثبت بطلانها فيما بعد.. إليك بعضا منها:

الفلوجستون

في بداية القرن الثامن عشر كان المجتمع العلمي يعتقد أن هناك عنصرا موجودا في المواد القابلة للاشتعال، وهو الذي يؤدي إلى الاشتعال، وأسموه (الفلوجستون)، واستمر هذا الاعتقاد حتى أسقطه لافوازييه في القرن الثامن عشر وأثبت خطأه.

التولد الذاتي

ساد الإجماع بين العلماء على صحة مبدأ التولد الذاتي، وهو نشوء الكائنات ذاتيا، كالبكتريا والديدان والضفادع، ثم أسقطه فيما بعد العالم الكيميائي الفرنسي باستور وأثبت خطأه في القرن التاسع عشر.

أزلية الكون

كان هناك إجماع بين العلماء على أزلية الكون، أي أن الكون ليس له بداية، ثم أسقط هذا الإجماع العالم البلجيكي لوميتر وأثبت خطأه في بداية القرن العشرين عن طريق إثبات تمدد الكون، الذي سماه فريد هويل فيما بعد بالانفجار العظيم.

الصفحة البيضاء

كان الاعتقاد السائد أن الإنسان عند ولادته يكون معرفيا كالصفحة البيضاء Tabula Rasa، أي أن الأفراد يولدون دون محتوى معرفي عقلي سابق، وأن كل المعرفة تأتي عن طريق التجربة أو الإدراك. وقد ثبت علميا بطلان هذه النظرية، وأورد الباحث Steven Pinker في كتابه الشهير ما يدحض هذه النظرية، وكذلك نقضها لغويا العالم تشومسكي.

نظرية الأثير

الأثير Aether هو مادة كان يُعتقد أنها تملأ الفضاء الكوني، وكان الداعي لهذا الاعتقاد هو التفسير القائل أن الضوء لا يسير في الفراغ. ثم أثبتت تجارب ألبرت ميكلسون وإدوارد مورلي في أواخر القرن التاسع عشر أن الكرة الأرضية لا تتحرك خلال الأثير. وفي عام 1905 نشر ألبرت أينشتاين نظريته الخاصة في النسبية التي توضح سلوك الضوء وأنه لا يعتمد على وجود الأثير.

فهل يجرؤ التطوري الذي يحتج بالإجماع العلمي أن يأخذ بصحة تلك الإجماعات العلمية التي ثبت خطؤها؟ بالطبع لا.. فإثبات الأمر بدليل علمي يعني بالضرورة أن صحة هذا الأمر غير قابلة أصلا للنقاش. ولذلك عندما يستدل التطوري بالإجماع العلمي فإن عليه أن يؤمن أيضا بالفولوجستون وأزلية الكون والتولد الذاتي والصفحة البيضاء والأثير، أو أن يقبل أن التطور نظرية قابلة للخطأ، وإلا فإن لديه ازدواجية لا يقبلها المنهج العلمي في معياره الذي يستخدمه للإثبات.

والاستدلال بحجية إجماع العلماء يلزم منه التناقض والدحض الذاتي، وذلك أنهم حين أجمعوا على أمر ما في زمن ما ثم أجمعوا على خلافه كان إجماعهم حقا وباطلا في نفس الوقت، وهذا تناقض، ومعناه عند التدقيق أنهم أجمعوا على أن إجماعهم السابق خطأ، فإجماعهم ينقض إجماعهم ويبطل حجيته. وهذه الازدواجية تشير إلى أن استدلال التطوري بالإجماع العلمي هو استدلال "مضروب"، وأنه صاحب هوى.

ليس هناك إجماع

نحن ندعو إلى التمسك بالدليل العلمي المعياري بشروطه المعتبرة فقط، وهذا بالطبع لا يعني أن الإجماع العلمي لا قيمة له، فهو قرينة لكنه يظل بعيدا عن اعتباره دليلا علميا، مع أنه لا يوجد إجماع علمي أصلا على صحة التطور، فآلاف العلماء يشككون فيه، ونظرية الخلق تُدرس في جامعات أمريكية مثل:

* Briyan College * Azusa Calvin * Bob Jones University * The Center for Theology and the Natural Sciences

والتطوري قد لا يعترف بهذه الجهات العلمية غير التطورية، لأن التطور صار عنده عقيدة لا يجوز الاقتراب منها، مع أن في تلك الكليات والجامعات أساتذة كبارا من جميع التخصصات. ومن يتهم تلك الجهات العلمية بأنها أيديولوجية يكون الرد عليه بالمثل؛ فالجهات الداروينية تنطلق أيضا من توجهات أيديولوجية لا تقوم على الدليل العلمي! فقد اعترف سكوت تود في مجلة Nature قائلا: "حتى لو أشارت جميع البيانات إلى وجود مصمم حكيم فإن هذه الفرضية تستبعد من العلوم لأنها لا توافق التفسير الطبيعي." وكما قال الدارويني الشهير آرثر كيث- وكان صريحا: "التطور غير مثبت ولا يمكن إثباته، ولكننا نؤمن به لأن البديل هو الخلق، وهذا أمر لا يمكن حتى التفكير فيه."

حجة "ملايين السنين"

أما الفاهم من التطوريين فهو من يقول إن التطور يحتاج إلى ملايين السنين، ولهذا لا يمكن ملاحظته أو رصده أو إثباته علميا! هذا هو الفاهم، لكن من الواضح أنه ينقصه بعض الفهم.. فهو في الحقيقة يقول إن التطور حقيقة علمية ولكنها حقيقة لا يمكن إثباتها! هذا يسمى إيمانا دوغماتيا أعمى، والإيمان الأعمى هو السائد عند التطوريين بكل وضوح، وعلامته الحماس الزائد المحموم للاعتقاد بأن التطور حقيقة علمية مع الفشل في إيجاد الدليل العلمي.

الفهم الانقيادي

وهناك صفة نفسية خطيرة تلاحظها عند بعض المتحمسين للنظرية، وهي صفة الانقيادية؛ فما إن يستمع إلى مقطع الدكتور فلان حتى يسلم عقله له، مع أن الموقف الصحيح هو التحقق من الأدلة بغض النظر عن مجرد الأقوال، فهذا الذي تستشهد بقوله إنسان لا يخلو من الميول والرغبات، وقد تكون عنده أخطاء فادحة في الاستدلال.. ومثل هؤلاء الانقياديين نقدم لهم هذه الصفحة التي فيها حوالي ألف عالم ومتخصص من حملة الدكتوراه في مختلف الميادين العلمية، وكلهم يشككون بصحة الداروينية.

بقي أن يجيبك التطوري قائلا: "التطور حقيقة وهناك أدلة تثبت صحته، فاذهب إلى قوقل وابحث عن تلك الأدلة بنفسك فأنا لست متخصصا!" وهذا واضح أنه كلف على نفسه كثيرا في الإثبات..

هل الأحافير دليل؟

غير أن أقوى الأدلة التي يحتج بها التطوريون هو الاستدلال بالأحافير والمتحجرات على تسلسل الأنواع بعضها من بعض.. غير أن احتجاجهم هذا قائم على التباس بين الفرضية والحقيقة العلمية.

ربط المتحجرات والأحافير أمر مخادع كثيرا، اعتمد عليه التطوريون كثيرا في تسويق التطور، ولكن عند التدقيق في الأمر فإن الربط بين تلك الأحافير بسلسلة التطور لم يقم على أساس علمي، أي أنه لا يوجد رابط بين الأحفورتين المتشابهتين سوى رابط واحد: هو الافتراض المسبق بوجود التطور وبالتالي الافتراض بأن هذه الأحفورة سلف لتلك الأخرى.. وعلى هذا فإن دحض هذا الافتراض لا يقوم إلا على عدم التشابه نهائيا بين أية مفردات من تلك الملايين الكثيرة من الأحافير والكائنات، وهو أمر محال بالطبع.

أضف إلى ذلك أن هذا الاستدلال فيه ثغرة قاتلة، وهي أن النتيجة المطلوبة (التطور) استخدمت كأساس للاستدلال، أي أنك تستدل على النظرية بنفسها. ولو لم تكن في ذهن الباحث أية فكرة عن التطور لما استطاع توزيع هذه الأحافير أو الكائنات المتنوعة والمختلفة ليحصل منها على تسلسل يخدم التطور. ولا معنى للادعاء بوجود التسلسل الزمني بين أحافير الكائنات البسيطة وأحافير الكائنات المعقدة، فهناك أحافير كائنات معقدة انقرضت منذ ملايين السنين كالديناصورات، بينما توجد كائنات بسيطة لا زالت تعيش على سطح الأرض.

لن نتطرق إلى ظواهر التكيف والتطور داخل النوع الواحد، كمقاومة البكتريا للمضادات واختلاف مناقير الطيور حسب البيئة.. الخ، فهذه تدخل في التطور داخل النوع الواحد، وهو مثبت علميا ومقبول كما أوضحت في التنبيه أعلى الصفحة، وشتان بين التطور داخل النوع الواحد (micro-evolution) والتطور بين الأنواع (macro-evolution).

ثغرات هائلة

إن من يتأمل النظرية سيرى فيها ثغرات هائلة يصفها هذا البروفيسور بأنها تتسع لمرور الشاحنات! فالنظرية تفترض أن التطور يحصل بين الكائنات من الأنواع البسيطة صعودا إلى الأنواع المعقدة، وهذا التطور يفترض أن لا يكون فيه أية فجوات، فهو تطور بطيء جدا عبر ملايين الكائنات الانتقالية، بينما الأحافير فيها فجوات كبيرة جدا وحلقات مفقودة.. بل كيف تكونت الأحواض الجينية؟ ولماذا لا توجد أحافير لكائنات خارج الأحواض الجينية؟

ويكفي لدحض النظرية تأمل الأجهزة الحيوية في الجسم وكيف تعمل.. كيف تطور الجهاز البولي مثلا؟ هو جهاز متكامل لا يؤدي دوره إلا بعمل جميع أجزائه، فلا يمكن أن تعمل الكلية دون المثانة مثلا.. فهل جاءت طفرة لتكوين الكلية وبقيت الكلية دون عمل إلى أن جاءت طفرة أخرى لتكوين المثانة؟ وكيف بقيت الكلية زائدة لملايين السنين دون وظيفة فإذا اكتمل الجهاز البولي بدأت بالعمل بشكل دقيق وسليم؟ أم أن الأجزاء في ذلك الجهاز جاءت كلها في طفرة واحدة؟ بل إن الجهاز الدوري للدم متكامل أيضا مع الجهاز البولي، فلا يعمل أحدهما من دون الآخر، فأيهما جاء قبل الآخر؟ أم جاء الاثنان أيضا بطفرة واحدة؟ وماذا عن الجهاز التنفسي؟ هل يمكن للجهاز الدوري أن يعمل دون الجهاز التنفسي أيضا؟ وماذا عن الجهاز الهضمي والجهاز العصبي وبقية الأجهزة الحيوية في الجسم؟ كيف ظهرت في طفرات مختلفة إذا كان كل جهاز منها لا يقوم أبدا إلا بوجود الجهاز الآخر؟

وعندما يكون الحديث عن الأجهزة الحيوية في الكائنات المعقدة وكيف تطورت عن الكائنات البسيطة التي لا تملك تلك الأجهزة الحيوية فإن التطوري يتعسف كثيرا في استخدام خياله لاختلاق سيناريوهات تطورية غريبة، كالادعاء بأن حاسة البصر بدأت بأجزاء من البشرة حساسة للضوء! كيف تكون البشرة حساسة للضوء ويحصل الوعي بوجود الضوء دون ربط هذه البشرة بأعصاب من نوع خاص تنقل البيانات الضوئية إلى الجهاز العصبي ثم إلى الدماغ.. الخ؟

لا تتعجب عندما تطرح على التطوري مثل هذه الثغرات فيجيبك بأنك جاهل، فهو غالبا يؤمن بالتطور إيمانا أعمى، وسوف تلاحظ أن من أكثر سمات التطوريين وضوحا تجهيل المخالف، ولو تأملت هذه السمة فإنك ستلاحظها دائما عند المناقش الذي لا يملك دليلا لإثبات دعواه، لأن وجود الدليل وبسطه يغنيه عن الاتهام بالجهل.

إشكالية الحلقات الانتقالية

بحسب نظرية التطور فإنه يفترض أن الحلقات الانتقالية بين الأنواع أكثر بكثير من الأنواع الموجودة نفسها، لأن الانتقال بين الأنواع يأتي في سياق تدريجي عبر أعداد كبيرة جدا من الكائنات، فهي بلا شك أضعاف مضاعفة من عدد الكائنات المعروفة التي تمثل الأنواع. ولكن أين بقايا تلك الكائنات التي تمثل المراحل الانتقالية بين الأنواع ما دامت أعدادها بهذه الكثرة؟

لتوضيح هذه الإشكالية الكبيرة في النظرية طرح ماتي ليزولا وجوناثان ويت، مؤلفا كتاب "المهرطق: رحلة عالم من داروين إلى التصميم" (Heretic: One scientist’s journey from Darwin to Design)، طرحا المثال البليغ التالي بعنوان "بلورات الداروينية المفقودة":

لنفترض هذه القصة:

جرت استضافتك أنت ومجموعة من أصدقائك في حقل واسع جدًّا تغطيه بلورات زجاجية بعمق قدم عن سطح الأرض. ونظراً لعمق هذه البلورات واتساع امتدادها وكثافتها، فإنه من الصعب عليك تحديد لون البلورة دون معاينتها مباشرة، إلا أن مضيفك أعلمك أن البلورات تأتي في ألوان مختلفة تمثل ألوان الطيف كلها، ولكن لشدة تدرجها فإن ألوانها لا تعد ولا تحصى، لدرجة أنك لو صففت البلورات ذات الألوان المتدرجة بالترتيب فإنك ستحصل على طيف ضوئي مطابقٍ لطيفَ قوس قزح الضوئي، لكن لشدة انسيابية الألوان فإنك لن تستطيع أن تميز بسهولة الفرق في اللون بين كل بلورة والبلورة المجاورة لها.

لتحقيق هذه الغاية- أي ترتيب البلورات لتحصل على طيف ضوئي متدرج متناسق- دُفع لك ولأصدقائك مبلغ من المال، مع التذكير أنك وأصدقاءك غير قادرين على التمييز الدقيق بين لون هذه البلورات نظرًا لعمقها واتساعها داخل هذا الحقل. انطلقت أنت وأصدقاؤك تلمون "بعشوائية" أكياسًا من هذه البلورات بغية ترتيبها بتدريج للحصول على الطيف الضوئي المنشود!

جمعتم مئاتٍ ومئاتٍ من الأكياس من البلورات المنتشرة، ومع كل كيس كانت حيرتكم تزداد! البلورات داخل الأكياس المجموعة لا تتلون إلا بالألوان الرئيسة: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأخضر، وربما عشرة أو خمس عشرة بلورة باللون البرتقالي والبني بين عشرات الآلاف من البلورات ذات الألوان الرئيسة، ظهرت البلورات البرتقالية والبنية بسبب تشوه باللون الأحمر والأصفر!

لا توجد أي ألوان بينية!

رغم محاولاتك ألا تكون وقحًا فإنك وجدت نفسك مضطرًا إلى ذكر ذلك لمضيفك الذي أقنعك بأن الحقل يحتوي على بلورات بطيف لامتناهٍ من الألوان!

ماذا كان رده؟ أجابك بثقة عمياء: إن معظم البلورات الموجودة في الحقل تتكون من الألوان الأساسية، ولكن إن بحثت وبحثت فلا بد أن تجد بلورات بألوان بينية تُتَمِّم لك الطيف الضوئي، وإن كانت قليلة، إلا أنها موجودة.

عدت أيها المسكين مجددًا إلى هذا الحقل الواسع الممتد بحثًا عن هذه البلورات البينية الألوان، النادرة الوجود!

فشلت، فعدت إلى المضيف وأخبرته: "لم أجد أية ألوان بينية، فقط الألوان الرئيسة، ربما من نثر هذه البلورات في الحقل تعمَّد أن تكون البلورات كلها بلورات من الألوان الأساسية وتعمَّد ألا توجد أي بلورات بينية الألوان". عندها قاطعك المضيف ناهرًا: "من نثر هذه البلورات اختار ذلك؟! هذه البلورات لم ينثرها أحد، وإنما وُجدت بألوانها في هذا الحقل بالصدفة المحضة!"

عندها وبتفكيرك المنطقي البسيط قلت للمضيف: "إذا كان هذا الحقل في حقبة من حقبات الزمن مليئًا بعشوائية محضة بالبلورات المتنوعة الألوان، المتكاملة في تدرجها، فكيف لا نستطيع إيجاد أيٍّ منها الآن؟" عندها غضب مضيفك صارخًا: "البلورات البرتقالية والبنية، ألا تراها؟"

هذا المثال، على ما فيه من السخرية، يوضح هذه الإشكالية الكبيرة في بنية النظرية.

وللكاتب رضا زيدان مقال نشره مركز يقين بعنوان: "السجل الأحفوري والداروينية". يشرح فيه هذه القضية ويذكر اعترافات عديدة.

تزوير الأدلة

للتطور سجل حافل بتزوير الأدلة، ومن الواضح أن فقدان الدليل العلمي الصريح الواضح هو ما يدفع التطوريين إلى التزوير والتلاعب. وسوف أستعرض هنا أبرز الأدلة المزورة التي قدمها التطوريون واستخدموا كل واحد منها لتكريس النظرية في عقول العامة لسنوات قبل أن ينكشف التزوير. وسواء كان التزوير مقصودا أو غير مقصود فإن نشر الدليل والاستدلال به دون تحقق يعتبر جريمة علمية.

أوتا بينغا

كان أوتا بينغا شاباً مرحاً يعيش مع زوجته وطفليه في قرية صغيرة محاطة بالغابات الاستوائية على ضفاف نهر كاساي في الكونغو، التي كانت مستعمرة بلجيكية في ذلك الوقت (عام 1904). وفي إحدى الأيام هجمت القوات الاستعمارية على قريته، وابتدأ القتل العشوائي في أهل القرية البسطاء، فأبيدوا عن بكرة أبيهم! ونجى أوتا بينغا لأنه خرج مبكرا من القرية بحثاً عن الطعام.

أوتا بنجا

شاهد أوتا بينغا زوجته وطفليه صرعى، واقتيد مع بعض الأسرى نحو حياة من العبودية البائسة. وكان حظه الأسوأ، ذلك أنه في تلك الأيام كان قد وصل إلى أفريقيا المبشر والتاجر الأمريكي Samuel Phillips Verner قادماً بمهمة قبيحة هي جلب أقزام أفارقة يشبهون القرود لعرضهم على الناس إثباتا لصحة نظرية داروين، وكانت مهمة Verner بموجب عقد تجاري بينه وبين William John McGee المتخصص في علم الأعراق البشرية.

وجد صامويل في أوتا بينغا القصير القامة ضالته، فاقترب منه وفتح فمه ليرى أسنانه، ثم سأل عن ثمنه، وبعد مفاوضات اشتراه بحفنة من الملح ملفوفة في خرقة.

لما وصل أوتا بينغا إلى مدينة سانت لويس الأمريكية قُيد بالسلاسل ووضع في قفص حيث قام علماء التطور بعرضه على الجمهور في معرض سانت لويس العالمي إلى جانب أنواع من القردة، وقدموه بوصفه أقرب حلقة انتقالية للإنسان. وبعد عامين نقلوه إلى حديقة حيوان برونْكس في نيويورك وعرضوه تحت مسمى السلف القديم للإنسان مع بضع أفراد من قردة الشمبانزي وبعض الغوريلات، وقام الدكتور التطوري William Hornaday، مدير الحديقة، بإلقاء خطب طويلة عن مدى فخره بوجود هذا الشكل الانتقالي الفريد في حديقته وعامل أوتا بينغا المحبوس في القفص وكأنه حيوان. وبقي مع القردة حتى نشأت بينه وبين قرد الأورانغوتان صداقة.

أوتا بنجا

في نهاية عام 1906، أُطلق سراح بينغا تحت وصاية القس جيمس غوردون ووضع بينغا في ميتم هاورد، وهو ميتم تابع لكنيسة. ثم رتب القس غوردون في كانون الثاني 1910 لنقل بينغا إلى ايبسوم قرب لندن حيث عاش مع أسرة ماكاري، ورتب الأمور لتسوية اسنان بينغا وأن يلبس نفس ملابس الأنكليز، وبدأ بالذهاب إلى المدرسة الابتدائية في ايبسوم. وبمجرد أن شعر أن لغته الإنجليزية تحسنت بما فيه الكفاية أوقف بينغا تعليمه الرسمي وبدأ العمل في مصنع للسجائر في ايبسوم. وكان أحيانا يروي قصة حياته مقابل الساندويشات أو البيرة. ثم بدأ يخطط للعودة إلى أفريقيا.

في عام 1914، عندما اندلعت الحرب العالمية الاولى، أصبحت العودة إلى الكونغو مستحيلة، فاكتئب بينغا، وفي 1916 بعمر 32 سنة، أوقد نارا احتفالية، ونزع الغطاء الذي وضع بأسنانه وأطلق النار على قلبه منتحرا بمسدس مسروق. ودفن في مقبرة المدينة.

رجل بيلتداون

هذه الأحفورة تعتبر من أقوى الأدلة التي اعتمد عليها الداروينيون في تسويق النظرية، وهي عبارة عن بقايا متحجرة لإنسان بدائي غير معروف وجدت في منطقة بيلتداون في إنجلترا. وتم إعطاؤها اسما علميا هو Eoanthropus Dawsoni، على اسم مكتشفها دوسون!

استمر الاستشهاد بأحفورة بلتداون 40 عاما، حتى صارت جزءا من مناهج العلوم في المدارس، ثم اكتشفت الخدعة بعد هذه السنين، وهي أن الجمجمة مزيفة، حيث كان الرأس لإنسان معاصر ولكن تم إلصاق حنك قرد عليه!

لم يكن الرسام التطوري يعلم بالحنك المزور حين ظهر لنا بهذه الشخصية لإنسان بلتداون:

بلتداون

بالطبع لا يمكننا أن نتخيل أن حنك القرد وجد تلقائيا على جمجمة الإنسان دون تزوير متعمد.. فالواضح من التركيب أن التزييف مقصود. وكانت فضيحة كبيرة على الداروينية، وظلت تهمة التزوير تحوم حول مكتشفها Dawson. هذا رابط لمزيد الاطلاع.

إنسان جاوة

إنسان جاوة Java Man هو اسم اطلق على مستحاثات اكتشفت عام 1891 في موقع ترينيل في مقاطعة نجاوي على ضفاف نهر سولو في جاوة بإندونيسيا.

وبطل هذه الخدعة هو الطبيب الهولندي يوجين ديبوا Eugène Dubois، حيث سافر أثناء عمله في الجيش الملكي الهولندي إلى جاوا في بعثة استكشافية، فلما يئس من إيجاد أي حفرية تصلح لإثبات نظرية داروين في نهايات القرن التاسع عشر قرر أن يجمعها بنفسه.

عثر عماله عام 1890 في قرية تقع على نهر سولو على قطعة من فك سفلي وسن واحدة، ثم عثر في العام التالي 1891 على قطعة من قحف جمجمة مفلطحة ومنخفضة وفيها بروز فوق العينين وبروز في الخلف، أي أن حجم الدماغ صغير، وبذلك فهي مثالية لأنها تجعل أعلى الرأس صغير الحجم مثل القرود!

جاوة

وفي السنة التي تلتها عثر في نفس تلك المنطقة على بعد 40 م تقريبا على عظمة فخذ إنسان، ولكي يكون بطلا في نظر التطوريين فقد أعلن أن جميع ما اكتشفه من عظام يعود إلى مخلوق واحد!

وعلى الفور تلقف التطوريون ما لديه واعتبروه الحلقة المفقودة بين مشية الإنسان والقرد وأعطوه على الفور، كما هي الحال في كل مرة، اسما لاتينيا، فاختاروا له اسم Pithecanthropus erectus.

وكانت هذه هي أول كذبة أسست لما يعرف بـ هومو إريكتس Homo erectus، أي الإنسان منتصب القامة.

تصدى العالم المشهور الدكتور فيرشاو لهذا الزعم في مؤتمر الأنثروبولوجيا الذي عقد سنة 1895 وحضره ديبوا نفسه، وقال إن الجمجمة لقرد وعظمة الفخذ لإنسان، ثم طلب من ديبوا تقديم أي دليل علمي مقنع لزعمه فلم يستطع.

وفي 1907م أرسلت ألمانيا مجموعة خبراء من برلين إلى جاوا لدراسة الحفريات ومكان اكتشافها، ولكن ديبو رفض أن يطلعهم على أية معلومة أو يحققوا في أي شيء! والشيء الوحيد الذي اثبتوه هو أن المنطقة التي عثر فيها على العظام هي منطقة حديثة لأن بركانا كان قد انفجر من فتره قريبة وفاضت حممه لتغطي الموقع بطبقة رماد وطمي، وهي التي دفنت فيها العظام التي وجدها.

على هذا الرابط يمكن مراجعة المزيد من التفاصيل حول إنسان جاوة.

رجل أورس

في عام 1982 قام عدة منقبين أثريين باكتشاف عظمة بمنطقة أورس Orce في إسبانيا، وأطلق عليها اسم La Galleta لأنها مستديرة الشكل بحجم الكعكة الصغيرة. وفي 1983 اعتبرت هذه العظمة أقدم متحجرة لإنسان في أوروبا، إذ زعم العالم المكتشف وهو Jose Gibert أنها جزء من جمجمة مخلوق عمره 17 سنة عاش قبل 900 ألف إلى 1،7 مليون سنة. وقام ذلك البروفيسور بعمل رسومات تفصيلية عن شكل ذلك الكائن الذي يمثل القردة العليا، أسلاف الإنسان.

تأمل هذه الصورة للمكتشفين، ولاحظ الكائن الموجود في الخلفية كيف اخترعوه من كسرة عظمة في أعلى الجمجمة!

إتحاف الكرام كان الداروينيون متأكدين أن العظمة تمثل القردة العليا البدائية وأنها حلقة الوصل ما بينها وبين الإنسان، وأطلقوا عليها اسم رجل أورس Orce Man. كل هذا من عظمة بحجم كعكة صغيرة!

وفي عام 1984 تم الإعلان عن الاكتشاف وتم التوصل إلى أن العظمة الصغيرة هي جزء من الجمجمة. وبعد اختبار العظمة من عدة أطراف خارج فريق البحث اكتشفوا أنها تعود إلى حمار عمره ستة أشهر!

عند ذلك أصبح "رجل أورس" أو "حمار أورس" أضحوكة الصحافة، ونكتة يتندر بها الناس في إسبانيا..

اورس
إنسان نبراسكا

ظهرت تسمية "إنسان نبراسكا" في عام 1922 اعتمادا على سن شبه بشري تم العثور عليه في نبراسكا في الولايات المتحدة. أما بداية القصة فهي في عام 1917 حيث عثر هارولد كوك، وهو مزارع وجيولوجي من نبراسكا على سن، وأرسلها عام 1922 إلى هنري أوزبورن، وهو عالم أحافير ورئيس المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، حيث بدا له أن السن تعود إلى قرد، فسارع إلى نشر مقالة معلنا عن نوع جديد أسماه Hesperopithecus HaroldcookII.

ورغم أن بعض العلماء الذين زعموا أن إنسان نبراسكا سلف بشري، وسارعوا إلى إضافته في المناهج الدراسية، لكن أوزبورن وزملاءه وصفوه بأنه ربما كان نوعا متطورا من القردة العليا، ولم يجازفوا بالدفاع عنه كجزء من الحلقات المفقودة في التطور.

رسم علمي ولكن من سن واحد! لاحظ هنا كيف اختلق رسام التطور أميدي فوريستير هذا الكائن مع زوجته من خلال سن قديم.. ونشرت في صحيفة الاستريتد لندن نيوز عام 1922:

نبراسكا

وبعد ذلك ظهرت أراء قوية أن السن ربما كان يعود إلى نوع من الخنازير البرية، خصوصا وأنها تشبه سن الإنسان، ولا يمكن التحقق منها جيدا لقدمها وتآكلها.

رجل النياندرتال

في عام 1856 تم اكتشاف مستحاثة إنسان النياندرتال لأول مرة، واعتبر علماء التطور أنه هو الإنسان البدائي، وأنه انقرض منذ آلاف السنين. ولكن مؤخرا في عام 2010 نشرت صحيفة ساينس العلمية أن الحمض النووي للنياندرتال مشابه للحمض النووي لإنسان اليوم بنسبة 99،7%، ومثل هذه الفروق في الجينوم توجد بكل بساطة بين الأعراق المختلفة من البشر اليوم.

وربما كان من أهم ما يحرص عليه التطوريون هو وجود رسوم عالية الدقة والتفاصيل، بل وتماثيل أيضا، فهي ذات أثر كبير في تصديق النظرية، لأن الحواس تقتحم المخيلة وتؤثر على القناعات.. وتبارى رسامو التطور في إطلاق خيالاتهم لرسم ملامح متنوعة للنياندرتال. ولعل من أطرف ما رسموه هذا الكائن الشهير الذي يطفح براءة:

نياندرتال

ولكن اكتشف الباحثون مؤخرا أن النياندرتال كان يستخدم أدوات مثل أدوات البشر، وهذه الاكتشافات دعت الكثير من العلماء إلى الاستخفاف بفكرة أن النياندرتال هم من أسلاف البشر. لاحظ مجلة ساينس ديلي في هذا الخبر تصف الاكتشافات الجديدة بأنها تنسف "أسطورة النياندرتال الغبية". وفي هذا المقال تقول مجلة لايف ساينس إن النياندرتال يضل في الحقيقة إنسانا من العصور الوسطى!

سقوط الأركيوبتركس

لم يعد الأركيوبتركس أول طائر، ولم يعد هو الحلقة التطورية بين الزواحف والديناصورات.. فبعد مائة وخمسين عاما من تدريس هذه الأسطورة وتصديق الناس لها باعتبارها أحد الأدلة الموثوقة على صحة نظرية التطور ظهر خطأ هذا الاعتقاد! المصدر من مجلة نيتشر. وأما مجلة (أمريكان ساينتست) فقد نشرت الخبر ثم حذفته. وهذا مصدر آخر.

رسوم هيكل

ظهر التطوريون بخدعة تسمى "التلخيص" وخلاصتها أن مراحل تطور الفرد تلخص مراحل تطور الجماعة. وتبنى هذا الطرح عالم الأحياء التطوري إرنست هيكل في نهاية القرن التاسع عشر. ونظريته تفترض أن الأجنة البشرية تشبه في بداياتها الأسماك، ثم تشبه صفات الزواحف، ثم صفات البشر، وظهر الادعاء أن الجنين له خياشيم! قد تبدو هذه النظرية خدعة، لكن أين يكمن التزييف؟

هيكل

لكن الفضيحة هي أن هيكل قام بتزييف رسوم الأجنة لتظهر أجنة الأسماك وأجنة البشر متشابهة! وانتشرت الرسوم في المناهج الدراسية لتكون إحدى عجائب الأدلة على صحة نظرية التطور.. وعندما افتضح أمره كان دفاعه الوحيد هو أن أنصار التطور الآخرين يرتكبون جرائم مشابهة! هنا بحث حول الموضوع لمزيد من الاطلاع من موقع جامعة شيكاغو.

والعجيب أنك لا تزال تجد من يستشهد على صحة التطور بأطوار الجنين!

الـ DNA الخردة

طالما رفع التطوريون أصواتهم بالدي إن أي الخردة Junk DNA على اعتبار أنها أقوى الأدلة التي تثبت صحة التطور على الإطلاق، والحجة في ذلك أن ذلك الجزء من الدي إن أي فقد وظيفته في الإنسان بعد أن كان له وظائف في أسلافه!

على سبيل المثال، في لقاء إذاعي عام 1998 قالت الداروينية يوجيني سكوت إنها أقوى أدلة التطور. استمع إلى مقتطفات من حوارها على هذه الصفحة.

ولكن في عام 2012 سقط هذا الدليل تماما، بعد أن اكتشف العلماء أن هذه الجينات لها وظائف حيوية مهمة! طالع هذا الخبر الصاعق من صحيفة الواشنطن بوست حين سقط مفهوم الـ دي إن أي الخردة.

هل تصدق أنني أجد من التطوريين العرب عند النقاش من يستشهد بالدي إن أي الخردة حتى الآن؟

الأعضاء الضامرة

من ادعاءات التطوريين التي طالما بثوها وحرصوا بنشرها في كتب العلوم هو قولهم إن هناك أعضاء ضامرة كانت عند أسلاف البشر، ويستدلون على ذلك بأنها ليست ذات وظائف! ولكي لا يتشعب الحديث هنا، ولكثرة الادعاءات حول اعتبار كثير من الأعضاء ضامرة، كالزائدة الدودية والعصعص وعضلات الأذن.. الخ، هنا صفحة تشرح بطريقة علمية وبالمصادر سقوط هذا الاستدلال بوجود أعضاء ضامرة عند البشر.

غير أن الاستدلال بالأعضاء الضامرة لا يقتصر على البشر، فمن أشهر الاستدلالات التي لا يزال العامة من التطوريين يستشهدون بها هو عظام الحوت الخلفية المخفية تحت الجلد، حيث يعتقدون أنها بقايا من أسلاف الحوت! وقد ثبت أن تلك العظام ليست أعضاء ضامرة وإنما لها وظيفة مهمة عند التزاوج، والاكتشاف شهير تحدثت عنه وسائل الإعلام كهذا الموضوع، ولكن يظل بعض التطوريين يستشهدون به إما جهلا أو تدليسا لعل المتلقي يجهل حقيقة الادعاء.

اعتراف بوجه صفيق

مكتشف أحفورة Rodhocetus، سلف الحوت المزعوم، يعترف بكل وقاحة بالتزييف:

تزوير التواريخ

في أحد المواقع شمال إسبانيا توجد عشرات الأحافير من الهياكل العظمية، حيث اعتبرته منظمة اليونسكو من المواقع المهمة للتراث العالمي لأهميته في فهم التطور، وتم جمع الملايين من اليورو لإنشاء متحف قريب من الموقع.

لكن أحد العلماء في متحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا، كريس سترينجر، حذر من أن المسئولين عن الموقع قد قاموا بتزوير الأعمار للأحافير بزيادة 200 ألف عام. وكذلك اعترض فيليب انديكوت من متحف الإنسان في باريس على تقييمهم لأعمار تلك الأحافير. المصدر من صحيفة الجارديان.

ما علاقة التطور بالإلحاد؟

قد يعترض البعض على الربط بين الإلحاد ونظرية التطور، وهذا مستغرب ممن يعرف جيدا ما هو الإلحاد وما هي نظرية التطور! فلا يمكن أن يوجد ملحد لا يؤمن بالتطور، والإيمان بالتطور شرط أول لإنكار الخالق، لكن هذا لا يعني أن كل من يؤمن بالتطور فهو ملحد. فكل ملحد تطوري ولكن ليس كل تطوري ملحد. ونظرية التطور بالنسبة للإلحاد هي بلا شك كعب أخيل، فسقوط النظرية علميا هو آخر مسمار في نعش الإلحاد بعد سقوط خرافتي أزلية الكون والتولد الذاتي. ولهذا تجد أن نشر نظرية التطور ومحاولة إقناع الناس بصحتها من أهم الأعمال التي يحرص عليها دعاة الإلحاد. يقول دوكنز: "إذا كنت تريد أن تقضي على الدين فكل ما عليك هو أن تقنعهم بنظرية التطور!" استمع إليه في بداية الدقيقة الثانية من هذا المقطع:

وهنا مثال حي على أثر التطور في نقل الشخص من الإيمان الديني إلى الإلحاد، ثم أثر الإلحاد على حياته البائسة:

وهذا مثال آخر، حيث يتحدث القاتل المتسلسل جفري دامر عن اعتقاده بالتطور ثم إلحاده وأثر ذلك على سلوكه الإجرامي (قم بتفعيل الترجمة):

نظرية التطور "الإسلامية"

لعل الاندفاع المحموم من بعض الإخوة المسلمين نحو تأييد النظرية غالبا ما يكون باعثه تراكمات من الشعور بالنقص الحضاري والهزيمة الثقافية، فتلاحظ أنهم يعبرون عن مشاعر الخجل من الثقافات الأخرى والخوف من أن نصبح أضحوكة العالم التطوري، ويرددون عبارات مثل "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم"..

وهذا مركب نقص حضاري متمكن في بعض النفوس، وتلك شريحة يصعب إقناعها بالنقاش العلمي نظرا لسطوة العامل النفسي لديها على الاستدلال العقلي الواضح. ولكن لحسن الحظ فإنك لن تجد هذا الشعور بالهزيمة عند من لديه تأسيس شرعي قوي من شباب المسلمين.

كنت أتمنى من المسلم الذي لديه هذا الخجل الزائد من العالم "المتحضر" أن يخجل قليلا من نبيه محمد وإخوته الأنبياء عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، فلا يدافع عن نظرية تقول إن هؤلاء الأنبياء ينحدرون من قردة عليا، في حين أن من أشد العقوبات التي أنزلها الله عند غضبه هي عقوبة المسخ إلى قردة: "فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" (الأعراف 166)، وقال تعالى: "قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ" (المائدة 60)

وربما كان يخجل من هذا الأمر فيخرج البشر من الشجرة التطورية الداروينية معتقدا أن هذا الحل التوفيقي- أو التلفيقي بالأصح- مخرجا لقبول النظرية التي يستحي أن يرفضها.. وهنا كان عليه أن يخجل من عقله ومنهجيته.. إذا كان يؤمن بالنظرية بناء على "ثبوتها علميا" كما يظن، فكيف يخرج البشر مناقضا هذا الثبوت؟

وعلى أية حال، فالمسلمون التطوريون بينهم اختلافات كثيرة جدا، تحكمها عوامل شتى، منها قربهم من النصوص، وأثر الهزيمة الحضارية، وحسابات المصلحة بين فقد المؤمن والحفاظ عليه مع إيمانه بالتطور.. الخ.

وهذا مقطع مناسب للمقام، يخاطب فيه الدكتور هيثم طلعت دعاة التطور الموجه:


شارك هذه الصفحة مع الناس، فواللهِ لَأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ.