لماذا يأتي لفظ الجلالة "الله" بصيغة المذكر؟

الله سبحانه ليس له جنس، وإنما الذكر والأنثى جنسان يختصان بالمخلوقات الحية، جعلهما الله لضرورة التكاثر، والله سبحانه وتعالى ليس كمثل مخلوقاته.

قال تعالى في الآية 11 من سورة الشورى مؤكدا أن وجود الأزواج (الذكر والأنثى) خاص بحق المخلوقات فقط: "فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ."

التذكير والتأنيث ضرورة لغوية

من خصائص اللغة العربية في التعبير عن الأسماء أن تعطيها صفة التذكير والتأنيث عند الحديث عنها، وليس هناك صيغة ثالثة محايدة كاللغة الألمانية مثلا. فأي اسم مهما كان نوعه لابد أن يعامل إما معاملة المذكر أو المؤنث، سواء كان عاقلا أو غير عاقل، وسواء كان اسم علم كزيد وعلي أو اسم جنس كتلميذ وشجرة. ولهذا يلزم التذكير والتأنيث حتى لو لم يوجد الجنس (كالنباتات والجمادات).

فلا يمكن بأية حال من الأحوال معاملة أية لفظة دالة على كائن إلا باستخدام التذكير أو التأنيث.

التذكير هو الافتراضي

والعرب يجعلون المذكر هو الافتراضي إذا شمل الكلام الجنسين، فمثلا حديث: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) يشمل المسلمين والمسلمات.

والعرب أيضا يستخدمون اللفظ المذكر المنصرف للأنثى حصرا إذا لم يوجد لبس في الفهم لدى المستمع، كألفاظ: حامل وناهد وكاعب وناشز وطالق، فهنا يرتفع اللبس في دلالتها بين التذكير والتأنيث لأنها لا تصف إلا المرأة، وبالتالي تعود للأصل اللغوي وهو التذكير.

فالمسألة لغوية بحتة تتعلق بأسلوب العرب في استخدام اللغة، وليس من الضرورة وجود رابط حتمي بين صيغة الجنس في اللفظة وجنس المدلول، فالأسد مثلا يسمى "قسورة"، والرجل يسمى "معاوية" و"جهينة"، والمرأة "صباح".

وكون الأصل في اللغة هو التذكير لا يعني سوى العرف، ولا معنى للاعتراض بتهمة الذكورية، فهذا اصطلاح جرت عليه الناس، ولو قلنا بتهمة الذكورية فإن البديل الوحيد هو التأنيث وبالتالي يمكن الاعتراض على التأنيث أيضا بتهمة الأنثوية.

وصف لفظ الجلالة "الله"

إن وصف لفظ الجلالة "الله" بصيغة التذكير لا يعني انتقاص المؤنث، وإنما جرى ذلك على ألسنة العرب وغيرهم، ونزل القرآن بهذه الصيغة (التذكير)، فلا تصح مخالفة النص القرآني واستخدام صيغة التأنيث فيها، وهذا لا يصح لغويا أيضا؛ فمن يقول مثلا: "إن القلم التي اشتريتها غالية"، سيصدم المستمع ويثير الضحك، رغم أن القلم ليس ذكرا ولا أنثى.

ماذا عن "الشيطان"؟

لماذا لا تجد أحدا من داعمي الحركة النسوية على سبيل المثال يعترض على التذكير في استخدام لفظة "الشيطان" أو "إبليس" بينما يعترض على التذكير في لفظ الجلالة "الله"؟ لماذا لا يعتبر هذا أيضا من قبيل النزعة اللغوية الذكورية؟ وماذا لو كانت لفظة "الشيطان" مؤنثة؟

لو كانت هناك نزعة لغوية ذكورية ضد الأنثى لكان كثير من الألفاظ المعبرة عن الشر ألفاظا مؤنثة.. بل إن كثيرا من الألفاظ الإيجابية الجميلة مثل "الهداية" و"الرحمة" و"والاستقامة" و"الحكمة" تأتي بصيغة المؤنث، وكثيرا من الألفاظ السلبية مثل "الانحراف" و"التزييف" و"الضلال" و"الباطل" و"الجنوح" و"الفساد" هي ألفاظ مذكرة.

منطقية الاعتراض

إن من يعترض على استخدام ثنائية "المذكر والمؤنث" في اللغة، وبالتالي على استخدام لفظة مذكرة أو لفظة مؤنثة، هو كمن يعترض على استخدام اللغة الثنائية في برمجة تطبيقات الحواسيب والأجهزة الذكية! فليس هناك وجه مقبول للاعتراض أصلا على أمر تعارف الناس عليه من باب الاصطلاح اللغوي وجرت العادة على قبوله، خصوصا وأنك أمام خيارين لا ثالث لهما.

جذور المشكلة

تكمن جذور المشكلة في تشبيه الخالق، فالجاهل بعقيدة الإسلام يظن أن الخالق يمكن تصوره ذهنيا كما تجري عادة الناس في تصور كل كائن عند التفكير فيه، وبالتالي يرتبط الجنس من حيث الذكورة والأنوثة بالصورة الذهنية عند الحديث عن الخالق جل وعلا، ومعلوم أن كل تعطيل لصفات الخالق جاء تبعا للتشبيه.

ولهذا جاء التنبيه في الآية التي بدأنا بها موضوعنا بأن الله ليس كمثله شيء، فهو مفارق لمخلوقاته، ولا يصح أن يحصل له صورة في أذهاننا، فنحن نعقله سبحانه ولا نتصوره حتى وإن خضع التعبير عنه للضرورة اللغوية.


شارك هذه الصفحة مع الناس، فواللهِ لَأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ.