لماذا يعبأ الله بنا مع وجود هذا الكون العظيم؟

فرضية خاطئة

افتراض أن الله لم يرسل رسله أو يهتم بأحد من خلقه إلا نحن البشر هو افتراض لا يقوم على أساس سليم، فنحن لا نعلم عن العوالم الأخرى وعن وجودها. صحيح أن الله روى لنا قصة خلق آدم وسجود الملائكة وعصيان إبليس وسكنه الجنة مع زوجه ثم خروجهما.. الخ. لكن هل يعني هذا أنه لا يوجد إلا آدم وخلق آدم؟ أم أننا لا نعلم لعل الله لم يبلغنا إلا ما يهمنا؟ المؤكد هو أننا لا نعلم. القرآن أخبرنا عن وجود الجن وأنهم مكلفون، وأخبرنا أيضا أنه سبحانه "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" (الإسراء 44). فقصور إدراكنا لا يسمح لنا بإطلاق الأحكام في هذه المسألة.

لاحظ أن أول آية في سورة القاتحة تقول "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" وصيغة العالمين ليست مثنى لنقول إن المقصود هو الإنس والجن مثلا، وإنما هي صيغة جمع غير محدد. قد يكون المقصود منها ثلاثة عوالم أو مائة أو ألف. الله أعلم.

لنفترض جدلا

حتى لو افترضنا جدلا أنه لا يوجد إلا نحن الذين وصلتنا الرسالة والوحي وقامت الدنيا والآخرة لنا فقط، فإن النظر للموضوع بمنظار الأحجام هو نظر خاطئ. فكما أن الكون عملاق جدا بالنسبة لنا وحجمنا ضئيل جدا بالنسبة للكون، فإننا أيضا عمالقة جدا بالنسبة لدقائق الخلق التي تم اكتشافها حتى الآن، وكل عدة سنوات يكتشف العلماء جزيئات من المادة صغيرة للغاية، لدرجة يصعب مقارنتها مع أجسامنا،

لاحظ أن الذرة لا يمكن رصدها أبدا لأن حجمها أصغر من موجة الضوء، فما بالك بالإلكترون والنيوترون الذي يعتبر حجمه بالنسبة للذرة ضئيل جدا، بل إن الإلكترون يسبح في فضاء فسيح جدا حول نواة الذرة.. ثم ما رأيك بالكوارك الذي يعتبر أصغر من الإلكترون كثيرا، وهناك عشرات الجسيمات أصغر من الكوارك أيضا.

كل هذه الأجسام البالغة الضآلة تم اكتشافها بقدراتنا المحدودة عن طريق رصد آثار تلك الجسيمات، فكيف لو كان الكوارك نفسه مثلا فيه عوالم كاملة لا ندركها؟ إذن فالمسألة نسبية. يمكنك اعتبارنا مخلوقات ضئيلة ويمكنك في نفس الوقت اعتبارنا مخلوقات عملاقة.. وفي الحالتين الأمر نسبي مع مخلوقات أخرى.

نحن بشر والحكم لله

ولذلك فإن شبهة الأهمية القائمة على الحجم هي شبهة خاطئة في الأصل حتى لو بدر لنا أنها صحيحة، فيجب أن لا نقيس أحكام الخالق سبحانه على تصوراتنا.. نحن مخلوقات محدودة، ومنذ وعينا وإدراكنا في هذه الحياة والمقارنات بيننا وبين المخلوقات الأخرى تشكل المكون الأساسي الحاسم في أحكامنا وتصوراتنا، بينما الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.


شارك هذه الصفحة مع الناس، فواللهِ لَأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ.