ما ذنب من لم يقتنع بالإسلام؟

وصلني هذا السؤال: ما ذنب من لم يقتنع بالإسلام أن يدخل النار؟

قناعة أم عدم قناعة؟

ليس الحساب على القناعة وعدم القناعة، وإنما الحساب هو على الإيمان والأقوال والأعمال. وتعبير السائل فيه مغالطة، فمن يقول "أنا غير مقتنع بالإسلام" يقصد بالضرورة أنه مقتنع بعدم صحته (لاحظ الفرق بين "غير مقتنع بالصحة" و"مقتنع بعدم الصحة")، ولكنه صاغ اعتقاده على أسلوب اللاأدريين، فهو "مقتنع" أن الإسلام غير صحيح، ويهرب من عبء الدليل بنفي ادعاء "القناعة"!

ويلزم من عدم القناعة بالإسلام القناعة بضده، لأنه لا يمكن أن يبقى العاقل بلا قناعات. وما دام مقتنعا بعدم صحة الإسلام فعليه أن يثبت قناعته تلك كما يقول القرآن في عدة مواضع للرد على غير المسلمين: "قل هاتوا برهانكم"، وإلا فادعاؤه لا قيمة له.

هل هي مسألة قناعات؟

ثم إن المسألة ليست مسألة قناعات وإنما هي مسألة حق وباطل. القناعات تداخلها الأهواء بسهولة، والناس ليسوا على حد سواء من التجرد للحق. ولهذا تختلف قناعاتهم وتتناقض كثيرا. ولو أخذنا قناعات الناس معيارا للصحة أو للمحاسبة فسوف ندخل في إشكالات عقلية ومنطقية؛ ولأن قناعات الناس تتناقض حول الأمر الواحد، فمن المستحيل منطقيا أن يكونوا جميعا على حق، والقاعدة المنطقية تقول إن الحق لا يناقض الحق، وهي القاعدة مطّردة حتى على مستوى المنطق الرياضي. وعلى ذلك فلا قيمة للقناعات الشخصية في موازين الحق والباطل، وإنما المناط هو الحجة التي يسميها القرآن "البرهان"، وعند طرح البرهان يتضح الأمر إن كان صاحب القناعة ذا هوى أم متجردا منه.

كيف خلق الله العقل ولم يقبل قناعاته؟

الحاصل هو أن العقل نفسه قد تكون قناعاته مشوبة بانحرافات الهوى والتأثير، وليس شرطا أن تكون النتيجة التي تخلص إليها عقول البشر كلهم سليمة. يقول الله تعالى: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ" (النازعات 40-41)، لاحظ الشرط هنا. فالله أعطانا هذه الأداة (العقل) وترك لنا استخدامها بطريقة سليمة أو بطريقة منحرفة مع أهوائنا ورغباتنا.

هل السؤال مهم؟

هذا السؤال (ما ذنب من لم يقتنع بالإسلام أن يدخل النار؟) هو سؤال خال من المعنى ولا قيمة له لسبب بسيط، وهو أنه من غير المناسب لأحد أن يطرحه، فإن طرحه مسلم فالمسلم لا خوف عليه لأن الأمر خاص بالكافر فقط ولا يخص المسلم ولا يضيره، وإن طرحه كافر فهو كذاب لأنه لا يؤمن أن أحدا سيدخل النار أصلا. كيف لكافر أن يشتكي من دخول النار بسبب كفره؟ وهل يريد أن يدخل الجنة مثلا؟ إنه لا يؤمن بالنار ولا بالجنة!


شارك هذه الصفحة مع الناس، فواللهِ لَأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ.