هل الدين مرجعية أخلاقية؟

تقول الشبهة: لو كان الدين هو المرجعية في الأخلاق لكان من حق غير الكفار أن يرتكبوا الجرائم الأخلاقية كالقتل والاغتصاب وارتكاب الفواحش دون أن يحاسبوا لأن المرجع الأخلاقي لم يصلهم.

الجواب

هذه الشبهة تثار عندما يقال إن الأخلاق ليس لها مرجعية خارج إطار الدين، فالملحد مثلا ليست له مرجعية أخلاقية، وإنما هو نفسه من يقرر مسائل الأخلاق في هذا الشأن. وإذا كان "المرجع" ذاتيا فهو لا يعد مرجعا في الحقيقة.

والإشكالية في إنكار الملحد لمرجعية الدين في الأخلاق على هذا المنوال الموضح في الشبهة تكمن في الفهم الخاطئ للتشريع.

فعندما نتحدث- نحن المسلمون- عن المرجعية الأخلاقية فإننا نقصد الرقابة الذاتية الناتجة من إدراك العقوبة الأخروية ولا نقصد العقوبة نفسها.

والعقوبة في الإسلام دنيوية وأخروية، وإنما شرعت العقوبة الدنيوية ردعا عن الجرائم الأخلاقية وحفظا لحقوق البشر ممن لا يكترث للعقوبة الأخروية، ولمنع الاعتداء بين الناس.

ومن يطرح هذه الشبهة يظن أن الإعذار من العذاب لمن لم تبلغه الرسالة يشمل الجرائم الأخلاقية والاعتداءات، وهذا غير صحيح، فالإعذار يخص جانب الاعتقاد فقط كما يتضح من نص الآية: "مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا" (الإسراء 15).

أما العقاب الأخروي للاعتداء فهو ثابت في حق المسلم والكافر، بل وحتى في حق البهائم كما ورد في الحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ." رواه مسلم.

ولا يعني الحكم بالعذاب الأخروي للكافر أن الكفار كلهم على درجة واحدة من العذاب، وإنما النار دركات متفاوتة، وهم يحاسبون على أعمالهم فتختلف دركاتهم في النار. فالمسلم يعلم أن وراءه حساب على كل ما يفعله، وأن الله رقيب عليه: "إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" (النساء 1)، فلا يعني غياب العقوبة الدنيوية عن موظف البنك المسلم أن السرقة أمر مقبول.. بينما الموظف الملحد إذا تمكن من السرقة دون علم القانون فإن عدم الإقدام عليها يعتبر أمرا غير مبرر، فالمانع من ارتكابها قد زال، وليس لديه أي تبرير مادي منطقي يمنعه من ارتكاب السرقة في هذه الحالة، فالمصلحة من السرقة متحققة والضرر منها منتفٍ.


شارك هذه الصفحة مع الناس، فواللهِ لَأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ.