مناقشة الشبهات حول حديث سجود الشمس تحت العرش

روى البخاري رحمه الله عن أبي ذر: قال النبي ‏ﷺ‏ ‏حين غربت الشمس: ‏أتدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم.

الشبهات التي تثار حول هذا الحديث هي من عدة جوانب، وسوف أناقش كل جانب على حدة هنا.

الشبهة الأولى: دوران الشمس حول الأرض

درج في جميع اللغات تعبيرات مثل "غروب الشمس" و "شروق الشمس" وكل ما يتعلق بها مما يشابهها، كالمشرق والمغرب وطلوع الشمس وغيابها.. الخ. وكثيرا ما يأخذ الملاحدة مثل هذه العبارات من النص القرآني ليتهموا القرآن بأنه يخالف العلم، على اعتبار أن هذه العبارات تدل على أن الشمس تدور حول الأرض بينما الصحيح هو أن الأرض هي التي تدور حول نفسها ليتعاقب الليل والنهار وتدور حول الشمس لتتعاقب فصول السنة. ولو أنهم دققوا في ألفاظهم لوجدوا أنهم أنفسهم يستخدمون مثل هذه العبارات، فلا يقولون مثلا: "عندما نبتعد عن ضوء الشمس" وإنما يقولون "عندما تغيب الشمس" أو "عند الغروب".. إلخ.

هذه لغة الناس التي يتداولونها، والقرآن نزل بلغة الناس، ويحدثهم بلغتهم، وليس معنى هذا أنه يوافقهم في الخطأ، لأن هذه التعبيرات نزلت على خلق يعيشون على الأرض وهم جزء منها، وليس موجها لكائنات تعيش على حافة المجموعة الشمسية! واستخدام هذه التعبيرات النسبية لا خطأ فيه. والقرآن عموما يحدثهم بما يرونه بأعينهم ويدركونه بحواسهم، فهو مثلا لا يقول إن الأرض مسطحة، وإنما يقول: "أفلا ينظرون... وإلى الأرض كيف سطحت"، ولا يقول إن الشمس "إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين" وإنما يقول "وترى الشمس إذا طلعت تزاور ذات اليمين.. الآية"، ولا يقول إن الشمس تغيب في عين حمئة، وإنما يقول "وجدها تغرب في عين حمئة.. الآية"، فهو يتحدث عما يراه الناظر أمامه، فإذا كان الناظر يرى الشمس تغرب أمامه بفعل ارتباطه بالأرض وكونه جزءا منها وعدم قدرته تبعا لذلك على إدراك دورانها، فإنه لا يستقيم أن تصف ما يراه وصفا يخالفه. وهذا موجود ومتعارف عليه عند كل البشر.. بل عند وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وهي أهم مرجع علمي في علوم الفضاء، فهي تتحدث في موقعها كثيرا عن غروب الشمس sunset وعن شروقها sunrise، وتستخدم هذا التعبير في صيغة الفعل مثل "تشرق الشمس" و "تغرب الشمس". وهذه روابط من موقع ناسا فيها مثل هذه التعبيرات:

والأمثلة كثيرة جدا في الموقع.

الشبهة الثانية: حركة الشمس

يظن البعض أنه على اعتبار أن الأرض هي التي تدور حول الشمس فإن الشمس ثابتة، وهذا خطأ.. الشمس ثابتة بالنسبة للأرض ولكنها ليست ثابتة بالنسبة للمجرة، فهي تسير بسرعة كبيرة جدا مع المجموعة الشمسية. والوصف القرآني واضح في ذلك تماما: "وكل في فلك يسبحون" (الأنبياء- 33).

الشبهة الثالثة: سجود الشمس

الحديث في هذه الشبهة موجه للمسلم الذي يشتبه عليه أمر الحديث، أما الملحد فهو أصلا لا يقبل الاحتجاج بالنصوص الشرعية. سجود الكائنات كلها وارد في القرآن الكريم، ومن ضمن هذه الكائنات الشمس والقمر. فقد قال تعالى: "ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس" (الحج-18)، وقال تعالى: "ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون" (النحل-49).

فهذا السجود العام لا إشكال فيه، وهو سجود لا نعرف كنهه ولا طريقته، فهو خاص بتلك المخلوقات، ولا علاقة له بالسجود الاصطلاحي الذي نقوم به نحن البشر. مثله في ذلك مثل تسبيح الكائنات الذي قال الله تعالى فيه "... ولكن لا تفقهون تسبيحهم". فنحن نعلم بتسبيح الكائنات وسجودها ولكن لا نفقههما. وإيماننا بهذا التسبيح وهذا السجود قائم على أنه من مصدر موثوق صحيح عندنا هو الوحي.

أما السجود الخاص الوارد في الحديث أنه يحصل في لحظة معينة من اليوم، فهو أيضا من النص الشرعي (الوحي) ولا يصح رفضه بلا علة ما دام سنده صحيحا كما هو واضح. فإن حجية السجود العام للكائنات هي بالضبط نفس حجية السجود الخاص، والاختلاف هو أن الأول مصدره نص القرآن والثاني مصدره نص الحديث الصحيح. وكلا المصدرين يؤخذ منهما الإيمان بالغيبيات.

الاعتراض الحاصل عند البعض على السجود الخاص الوارد في نص الحديث هو أنه يخالف العلم، وهذا غير صحيح. فالشمس تجري كما أوضحنا وهذا ثابت علميا، واللبس الحاصل سببه القياس على البشر في سجود الشمس واستئذانها.. الخ. بينما الصحيح أن كل ما ورد من سلوك الشمس هو مثل السجود والتسبيح، لا يمكننا أن نفقهه، لأنه من الغيبيات، والقاعدة المعروفة هي أن عدم فقه الشيء ليس حجة مقبولة لقبوله ولا لرفضه.

الشبهة الرابعة: تحت العرش

الاعتراض على أن سجودها يحصل تحت العرش هو اعتراض لا قيمة له لسبب بسيط، وهو أن العرش غيب وموقعه غيب. فلا يمكننا مثلا أن نحدد موقع العرش فلكيا لنرى إن كانت الشمس تسجد تحته أم لا، ومعنى هذا أنه لا يتوفر لدينا العلم الكافي لحسم الأمر، وبالتالي فإن عدم توفر العلم لدينا يمنعنا من القطع فلكيا في هذا الأمر، فلا نستطيع فلكيا أن نؤكده أو ننفيه. والنفي يصح فقط إذا كان هناك دليل على استحالته، ولا يوجد دليل على ذلك.

أما كوننا لا نستطيع أن نتصور الأمر، من كون الشمس كل 24 ساعة تمر على مكان يقع تحت العرش، أقول إن عدم قدرتنا على تصوره لا يعطينا الحق على نفيه، وهذا هو المنهج العلمي الصحيح، لا يقوم النفي إلا بدليل ولا يقوم الإثبات إلا بدليل.. هذا من الناحية العلمية، لكن عند المسلم الإثبات قائم ليس بدليل علمي وإنما بدليل نصي، والنص الصحيح هو مصدر موثوق عند المسلم.

فهناك فرق كبير جدا بين عدم إمكانية التصور وعدم إمكانية الحدوث، والخلط بين الأمرين هو مصدر الإشكال في كثير من الشبهات التي يدعي فيه الناس معارضة النص الشرعي للعلم.

والقاعدة عموما بين تعارض النص مع العلم هي كالتالي: إذا تعارض قطعي الدلالة من أحدهما مع ظني الدلالة من الآخر فإنه يقدم قطعي الدلالة سواء كان نصا أو علما. وبالطبع لا يمكن تعارض قطعي الدلالة من النص الشرعي الصحيح مع قطعي العلم. هذا محال لسبب بسيط، أن خالق الكون هو نفسه منزل الوحي.


شارك هذه الصفحة مع الناس، فواللهِ لَأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ.