هذا الموضوع هو تلخيص لمحاضرة د. أبو زيد المقرئ الإدريسي، وهي موجود في الأسفل.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين ﷺ ، أما بعد.. في البداية سوف نتحدث عن المنهجية العامة للقرآن الكريم، القرآن يتحدث في الأمور الكلية والقواعد العامة ولا يتحدث بالتفاصيل والتفريعات؛ إنما يتركها للتطبيقات.
صرفت هذه التفريعات فكر المسلمين إليها ونسوا الأصل القرآني، بالتالي نحن نحتاج أن نعود للقرآن الكريم في كل عصر لأسباب عديده منها:
هي أصل للوجود مثلها مثل الرجل وليست ملحقةً بهذا الأصل أو فرعاً عنه، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً). هذه الحقيقة ذُكرت ٣ مرات في القرآن بنفس التعبير.
في الهند كانوا يعتقدون أن أصل الإنسان ذكراً فإذا وُلِدت أُنثى فهي روح خاطئة (لأنهم يؤمنون بالتناسخ) وُلِدت لتعاقب وتُطهر ثم تعود بروح أخرى ذكراً.
أيضاً العرب كانوا يدفنون المرأة خوفاً من أن تكون أسيرة في الحروب، ويرون بها العار من الناحية الجنسية، ثم بعد الإسلام نزلت الآية: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ). وبعدما جاء الإسلام وطهر النفوس، فكان هناك صحابة عندما يتذكرون وأد بناتهم يبكون بكاءً شديداً.
إذاً السلوكيات هي نتيجة الأفكار، وعندما نشتغل بإصلاح السلوك دون أن نصلح الفكر فنحن مثل من لديه مصنع يقوم بإصلاح القطع بعد صنعها دون أن يصلح الآلة الأساسية!
ولنأخذ مثالين على ذلك..
أولاً الولاية، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وهذا دليل على المساواة بالولاية والمهام والتكليفات.
والدليل الآخر: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ...) وهذه الآية فيها تطويل ومبالغة في التكرار نفهم منه أن الله يود أن كل القرآن نزل بهذه الصيغة فأعطانا نموذجا لكل ما سيأتي لخطاب الذكور، لا ما نُص عليه نصاً انه استثناء مثل قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)، وقوله تعالى: (للذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، ماعدا هذا، في الأصل أنه لا يجوز احتكار الرجال لخطاب القران لأن الخطاب القرآني الحقيقي هو ما ذكر في الآية (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ...).
وعندما نأتي لسبب نزول هذه الآية، فهو أن أزواج النبي ﷺ قلنَ: (يا رسول الله ذكر الله عز وجل الرجال في القرآن، ولم يذكر النساء بخير، فما فينا خيرٌ نذكر به، إنا نخاف أن لا يتقبل منا طاعة) فأنزل الله هذه الآية ليبين لهن أن التكرار بهذه الطريقة لا حاجة له. وهناك دليل آخر في اللغة العربية وهي (قاعدة التغليب)، وتعني أن الخطاب لجميع الناس ذكوراً وإناثاً يكون بالمذكر، وهذا تغليب لغوي وليس تغليبا في الفضل والأهلية.
والذي يحكم قاعدة التغليب أن اللغة جميعها تعتمد على الاختصار، ومسميات الذكور دائما مختصرة وحروفها قليلة بعكس الإناث يكون في نهايتها (ة) مثل: مسلم ومسلمة، فإذا خاطبناهم نقول مسلم بناءً على الاقتصاد فقط، وهذا المبدأ هو ما يحكم قاعدة التغليب، ونستنتج بهذين الدليلين أن الخطاب في القرآن للعموم وليس محتكراً للرجال.
أما في مقابل هذا، فاليهود والنصارى حتى القرن التاسع عشر كانوا يعقدون ندوات علميه بعنوان (هل المرأة إنسان)!، والفقه اليهودي حتى اليوم يعتقد أن المرأة ليست إنسان، وأنها خلقت بهذه الصورة فقط ليتمتع بها الرجال وإن كانوا يخبئون هذا المعتقد، وذلك ليس مقتصرا على النساء، لأنهم يعتقدون أن غير اليهود ليسوا بشر إنما خُلقوا لخدمة بني إسرائيل.
وقدم القرآن مثالين لهما: (مريم بنت عمران) قمةٌ في الدين، ولم تكن مأساة مريم أنها أنجبت من غير زوج فاتهمت، ولكن أن الله أمرها أن تدخل المعبد وتصلي مع الرجال، وفي ذلك الوقت كان محرم على النساء بل حتى من تنظر لجدار المعبد تُقلع عيناها لسوء ما فعلت، فاختار الله سبحانه مريم وابتلاها من بين أكثر المجتمعات ذكوريةً واحتقاراً للمرأة لتكسر احتكار الرجال للشأن الديني.
والمثال الثاني هو (بلقيس ملكة سبأ) فهي قمةٌ في الدنيا، وكانت تمارس الشورى في قيادتها.
بينما في الجانب الآخر (فرعون)، قال تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) أي: ما أريكم أيها الناس من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي.
وهنا قدم القرآن لنا نموذجا لحكم رجل مستبد وحكم امرأة ديموقراطية.
وعند قراءة (سورة النمل) نستنتج من رد بلقيس فيها أن المرأة صانعة السلام عبر التاريخ والرجل صانع الحروب، فقليلاً ما يذكر أن امرأة قادت حرباً؛ لأن المرأة تفكر بإحساس وتفكر في الأسرة بعد الحرب بينما الرجل يفكر بالمصالح الاستراتيجية والانتصار.
قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وما حدث لآسيا وهذه الآية هو حث للمؤمنين على الصبر، فالمرأة ليست كائناً يجب أن يكون مساوياً للرجل فقط بل هي مثل وقدوة.
في الفكر العربي بشكلٍ عام دائماً يكون التركيز على الآية السابقة بينما يمكن للمعنى أن يتغير عندما نقرأ الآية التي تليها، أيضاً في سورة آل عمران قال تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)، كثير من الناس يظنون أن هذه الآية للتفرقة بالأهلية والمقدرة للذكر والأنثى، بينما امرأة عمران عندما قالت هذا بقصدها أن الأنثى في ذلك الوقت ليست قادرة على خدمة البيت المقدس، لأن ذلك جريمة، ولم تعلم أن الله سيأمر مريم بالتعبد فيه.
لذلك يجب أن تكون قراءتنا للقرآن قراءة ذكية وأن لا ننزلق مع الفكر التقليدي الذي قد يعمينا عن المعاني الحقيقية للقرآن. من يقوم بهذه الأفعال بفكره التقليدي ويُحرف معاني القرآن مثل من يشوّه وجه القران، وفعله هذا ليس عدواناً على المرأة بل هو عدوان على الحق والوعي.
لذلك يجب أن نكون ضد القراءة التجزيئية، لأن اللاوعي غالباً ما يتحكم في قراءتنا للنص، وحتى نفهم المقصود بهذا لنأخذ قصة آدم وحواء مثالاً، لن نجد في القرآن أدنى إشارة بأن حواء أضلت آدم أو تآمرت ضده مع إبليس، بل سوف نجد في القران قوله تعالى: (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) وسوف نجد أن آدم هو المسؤول، ولكن لأننا نأتي بالرواية الإسرائيلية نسقط هذه الرواية على نص القرآن ونحن لا نشعر، ونظن أن القرآن هو من يقول لنا إن خروج آدم من الجنة كان بسبب حواء، وأنه ضحية غير مسؤول، وهذا كُله انعكس على تربيتنا وثقافتنا، فالآن عندما يكون الأولاد صالحين يقول الأب: أولادي، وعندما لا يكونون، يقول للأم: انظري إلى تربيتك، وهذا بسبب أن الرجال عرفوا أنفسهم أنهم ضحايا مؤامرات النساء.
ومن هنا جاءت ثقافة أن المرأة فتنة والفتن’ في الحقيقة ليست بالمرأة أو الرجل، وإنما في الضعف الذي بينهما، لذلك فالقرآن أمر كلاهما بغض البصر وستر العورة.
ومن حماية القرآن للمرأة أنه فرق بين البِغاء والإغواء، حيث أن الإغواء ميل في المرأة، ولذلك أمرها الله بلبس الحجاب والتستر وقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) لأن المرأة يمكن أن تكون طرفاً في هذا، أما البِغاء هو مؤسسة يديرها الرجال، وقد تكون عصابة من دول مختلفة لأصحاب أعمال مختلفة يستفيدون من هذه المؤسسة، والضحية في هذا هي "المرأة" رغم أنها هي التي تُلام في الفكر التقليدي.
وعندما تحدث القرآن عن البغاء لم يُحدث المرأة بل حدث الرجل بقوله: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، والمقصود بالفتيات هنا هو الإماء. وهذا الفرق بين العقلية القرآنية التي تُنصف المرأة والعقلية الذكورية التي تحمل المرأة كل خطايا العالم من خروج آدم حتى آخر فتنه في الدنيا، هذه العقلية وراءها فكر من جذور إسرائيلية وثقافه ذكورية يهودية تسربت إلينا عبر التراث الذي غرقنا في تفاصيله ونسينا القرآن الكريم.
وعندما نعود للقاعدة الكلية الأولى، وهي أن القران الكريم يقدم رؤية منصفة للإنسان مبنية على المساواة في "الكرامة والأهلية والمسؤولية" ثم يميز نماذج من النساء ويبرزهُن لتقويم الفكر الذكوري، ولكننا فعلنا العكس، كسرنا الرؤية القرآنية وأخذنا الآيات التي أُخِذت من سياقها وغرقنا في التراث البشري والإسرائيلي.
إذا سئِل في الدين عن حكم شيء فأنه يتم الحكم بالاستدلال بآية قرآنية أو حديث، وإن لم يوجد فيكون بالعرف (أي بتقاليد العرب)، وفي زمن الجاهلية قبل نزول القرآن، عندما يغضب الرجل ويقول لزوجته أنت علي كظهر أمي، فإنها لا تعود إليه أبداً بعدها.
المنطق الذي فُكِر فيه منطق راق يحترم مكانة الأم، لكنه أُحادي لم يجعله يتفكر في الأسرة والأطفال، لأنه يملك عقليه ذكورية لا تمكنه من التفكير بشكل كامل كالمرأة بل يفكر بشكل جزئي، ثم نزل القرآن الكريم ونزلت هذه الآية لتصحح هذا الفكر: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
معنى هذا أننا نحتاج إلى المرأة تشريعياً وقانونياً واجتماعياً وسياسياً، ورؤية غير هذا هو إجرام في حق الشرع الذي جاء ليحررنا من هذه النظرة التي تبدأ بظلم المرأة والمجتمع ثم ينعكس على عطائها.
إن عصر الانحطاط عند المسلمين كان بسبب تهميش المرأة التي لم تعد تنشئ الرجال، فتربوا على الخوف والحذر فجاءنا من غزوا العالم وأبدعوا وأصبحوا أحراراً ونحن صرنا ضمن ثقافة محافظة نُربى في حجور نساء لا يشتغلن إلا بالزينة وإرضاء الزوج والنميمة، وهذا الذي جعل خمسة قرون فارغة، لأنهم تربوا على نساء فارغات بسبب أنه مغلق عليهن فلا ينتجن إلا الفراغ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1
2
3
4