هل تفكرّت يوماً وأنت تأكل الفاكهة اللذيذة ثم ترمي البذرة الجافة اليابسة عديمة الطعم بعيدًا عنك، أنك بذلك تخضع لحكيم مدبر يحكم الكون كله، يسمح لتلك الفاكهة أن تضحك عليك وتمرر جيناتها لكل مكان في الأرض حيث تمنحك طعماً لذيذاً وتخفي أصل حياتها في قلب بذرة جافة غير مغرية ما إن تلتصق بالأرض حتى تبدأ تتفتق بهدوء إلى فروع وجذور فتنبت وتكون أما قد نجحت في تمرير جيناتها للأبناء، كل هذا يحدث في نباتات لا تعي شيئا.
مَن الذي ضبط المعلومة لتلك الفاكهة البكماء الصماء، وضَبط كمية السُكر بها بحيث تروق لك؟
مَن الذي جعل البذرة غير مقبولة وغير مُستساغة، حتى تزهد فيها وتلقيها بعيدًا؟ مَن الذي شحن البذرة بالمعلومات الوراثية الكافية لتخليق نبتة جديدة بكل تفاصيلها ووظائفها؟
البذور مُحاطة بأغلفة خشبية قاسية لمقاومة الماء والرطوبة وعدم دخول الأمراض، وتكون بلا طعم أو ذات طعم مُر حتى لا يطمع فيها أحد، فهي تحمل المورثات الكاملة لتنقلها للأجيال التالية. ويوجد كتالوج شفرتها داخل ذلك الجدار الخشبي ومُحاطه بتغذية كاملة تكفيها حتى الإنبات.
بعض النباتات تستخدم أقل احكتاك لها لتنثر بذورها في الأرض وتنبت، وبعض البذور مزودة بأجنحة فتقطع مسافات طويلة مع نسمات الهواء.. وبعضها تكون ذات قشرة جافة جداً ولكنها محاطة من الداخل بالكثير من البندق مما يجعلها مطمعاً للحيوانات آكلة البندق فما أن يأكل الحيوان بعض البندق حتى يترك الباقي والبذرة، فتنبت شجرة جديدة بكل سهولة، فسبحان مُدبر أرزاق خلقه بحكمته وعلمه.
والبعض الآخر من البذور كبذر الترمس يبقى مئات السنين إلى أن يجد البيئة المناسبة للإنبات فينبت.
إن تغليف البذور وضبط كمية المعادن داخل السائل الموجود فيها ونضج البذور، كل هذا يجب أن يتم في نفس الوقت، وهذا نوع من التعقيد غير القابل للاختزال أو التطور.
أما جذور النبات فهي من أكبر أعاجيب الطبيعة، فالشجرة التي تزن عشرة أطنان تقف عمودية بفضل تشبث جذورها بالتربة دون انهيار التربة نفسها أو تفتتها أو سقوط الشجرة، مع أن الجذور عمياء بلا بوصلة ولا عقل.
وتقوم الجذور بدور جوهري في سحب الماء والغذاء اللازم للشجرة من التربة، وداخل الشجرة توجد أنظمة لسحب الماء من الأرض للأعلى ضد الجاذبية.
ويختار الجذر العناصر المطلوبة من التربة والأيونات ليس بطريقة فرق التركيز بل ربما يكون تركيز بعض الأيونات في الجذر أعلى ألف مرة من تركيزه خارجه، ومع ذلك يستمر في سحب تلك الأيونات بمنتهى الدقة للوصول إلى الكمية المطلوبة للنبات. فالنبات يحتاج إلى ماغنسيوم وفوسفور وكبريت ونيتروجين وكالسيوم وعناصر نادرة من تربة الأرض ويحصل بكل الحيل على المطلوب.
من يمتلك ثقافة عالية يستطيع معرفة المعادن والفيتامينات اللازمة لجسده ويوفرها بينما النبات يفعل ذلك بمنتهى الضبط منذ البدء.
تتجه البراعم بعد الإنبات مباشرةً نحو مصدر الضوء، وتتجه الجذور نحو الأسفل، فالبراعم تتمتع بحساسية مفرطة للضوء.. وكل المعلومات التي تحتاجها للقيام بوظيفتها توجد مُشفرة داخل البذرة.
وهناك هرمونات تتحكم في النمو العلوي والجانبي للنبتة وفي اتجاه الجذور وكلها أيضاً مشفرة داخل البذرة.
أوراق النبات عريضة ومسطحة ورقيقة جداً، وهذه هي كلمة السر في البناء الضوئي المثالي الذي يقوم به النبات.
توجد مسام تبادل ثاني أوكسيد الكربون في الجو مع الأوكسجين في ورقة النبات أسفل الورقة وليس أعلاها؛ لأنها لو كانت أعلاها فإن تأثير أشعة الشمس الضار سيبخر الماء بسرعة ويموت النبات، وهذه المسام تفتح وتغلق حسب الحاجة.
إن ما يريده التطوريون بالضبط هو كالتالي:
لكن الذي لا يريدون التركيز عليه هو أن هذه الأنظمة إما أن تأتي سوية أو لا تأتي نهائيا، ففقدان نظام واحد من تلك الأنظمة لن ينتج نباتا.
إذا كنت لا تزال تتصور أن النبتة العمياء التي بلا عقل قامت بذلك من تلقاء ذاتها فراجع عقلك!
لا مجال للجدال بأن هناك حكيما عظيما وراء هذه العلاقات التبادلية، فسبحان مُلهم الكائنات كيفية حفظ نوعها.
د. هيثم طلعت (بتصرف).