خطر هذا الموضوع في بالي عندما قال لي أحد الملاحدة المراهقين إنه لا يصدق كتب الصحاح ولا كتب التاريخ.. وإنه لن يصدق شيئا حتى يراه بعينيه. ورغم أن هذه لوثة تدل على الجهل والعبث، فلو سألته إن كان يصدق بوجود الثقوب السوداء، وبأن سرعة الضوء هي 299 كم في الثانية، وأن الصفر المطلق هو 273.15 مئوية تحت الصفر، فإنه لن يتردد في تصديقها كلها رغم أنه ما رآها ولا قاسها بنفسه.
عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاس كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ". رواه البخاري (1043) ومسلم (915)
لا شك أن وفاة إبراهيم كانت في نفس يوم الكسوف، ولكن لا يوجد في الصحيحين تحديد لتاريخ الوفاة أو وقوع الكسوف، وإنما أجمع المؤرخون أن الحادثين وقعتا في السنة العاشرة للهجرة، على اختلاف في التواريخ. قال ابن حجر: "وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة، فقيل في ربيع الأول وقيل في رمضان وقيل في ذي الحجة."
وقع هذا الكسوف طبقا للحسابات الفلكية في 27 يناير عام 632 م، وهذه الصورة من موقع ناسا توضح التاريخ ومجال الكسوف:
وهذه صورة من أحد البرامج المتخصصة في رصد وقوعات الكسوف:
وهذه الصورة التوضيحية من موقع ناسا، ويمكنك الوصول إليها من خلال هذا الرابط، وفيها يظهر وقت بداية الكسوف على المدينة المنورة (الساعة السابعة والربع صباحا، ونهايته الساعة العاشرة صباحا تقريبا)، وكذلك نسبة الإظلام وقت الذروة وهو 76.49%:
وهذه صورة أخرى من موقع علمي فرنسي متخصص بهذا المجال، يمكن الوصول إليه من هذا الرابط، والمعلومات متقاربة جدا:
ويمكن على أية حال أن تستطلع حالات الكسوف من العام 2000 قبل الميلاد إلى العام 3000 ميلادي من خلال هذه الصفحة، كما يمكنك استخدام محرك البحث هذا.
كما أشرنا فإن الروايات التاريخية لم تتفق على تاريخ محدد لوقوع ذلك الكسوف، ولكنها اتفقت على تحديد وقوعه في السنة العاشرة للهجرة، وهي توافق جزءا من السنة 631 وجزءا من السنة 632 الميلادية. وعلى أية حال حتى لو اتفق المؤرخون على تحديد ذلك التاريخ بالتقويم الهجري فإن حساب المقابل له بالتقويم الميلادي لن يكون دقيقا، ووسائل تحويل التواريخ تعطي نتائج مختلفة، والسبب هو كما يظهر أن التقويم الميلادي لم يبدأ بحساب السنوات الكبيسة بصورة صحيحة إلا بعد 15 أكتوبر 1582 ميلادية.
وكذلك فالتوقيت كما ورد في الروايات التاريخية يتوافق مع الحسابات، حيث ذكرت الروايات أن الكسوف حصل صباحا.
قد نقرأ النصوص الواردة في كتب الحديث فلا ندقق بها أو نحللها.. ولكن هذا الحديث الصحيح الوارد في أعلى الصفحة، وفيه ينفي الرسول صلى الله عليه وسلم أية علاقة بين موت ابنه إبراهيم وبين كسوف الشمس لما رأى الناس بدأوا يربطون بين الحادثتين.
وهذا الحديث هو من الدلائل العظيمة على نبوته صلى الله عليه وسلم.
فقد انقسم أعداء الإسلام من النصارى والملحدين في أدبياتهم عند تحليلهم لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم إلى فريقين: فريق يتهمه بأنه نبي كاذب يتعمد الكذب، فهو ليس نبيا يتلقى الوحي من الله وإنما دعواه تلك كاذبة، وفريق آخر يقول إنه ليس كاذبا يدعي الكذب، فهناك مواقف تدل على صدقه، مثل موقفه في الغار أثناء الهجرة، ومن هنا يدعون أنه صادق في اعتقاده بأنه نبي، فهو يتوهم النبوة ويظن أنه يتلقى وحيا.. حاشاه صلى الله عليه وسلم.
ولكن عند تأملنا لهذا الحديث، نجد أن تحليلات كلا الفريقين تتهاوى.. فلو كان نبيا كاذبا لكانت هذه من الفرص الذهبية التي يتمناها كل من يدعي النبوة.. ابنه يموت فتكسف الشمس التي لا يتحكم بها إلا خالقها! لو كان كاذبا فسيقول لهم حتما إنهم صادقون.. فليذهبوا ويخبروا الناس بذلك.. فهو ليس بحاجة إلى إقناعهم ما دامت الفكرة أتت من عندهم.
أما لو كان يتوهم النبوة، فهو بالتأكيد سوف يصدق ما أشاروا إليه بكل براءة.. فهي إشارة قوية بأن خالق الشمس جعلها تكسف من أجل موت ابنه!
لكن الموقف كان موقف نبي مرسل من عند الله.. لا يتوهم ولا يستغل الظروف.
اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك محمد.