هذه الشبهة روّج لها المستشرقون في البداية، ثم تداولها بعض أعداء الإسلام من الملحدين والنصارى، والهدف من ترويجها هو الإيحاء بأن الإسلام ليس مقنعا، ولو كان مقنعا لآمن به أهل مكة كلهم أو أغلبهم وليس فقط 90 شخصا حسب بعض التقديرات. والنتيجة التي يسعون لها هي أن يبدأ المسلم بالتحليل لعله يصل إلى أن الإسلام إنما انتشر بالقوة والسيف.
وهذا الأسلوب الإيحائي يكثر استخدامه عند المنصرين تحديدا، ولكنه يسقط عند التحليل الدقيق للمعطيات.
هناك أسباب عامة متعددة لعدم اتباع الكفار لدين الإسلام، منها تعصبهم وتمسكهم بدين آبائهم، ومنها اتباع الهوى والشهوات خصوصا عند العلم أن الإسلام يحد من تلك الشهوات، ومنها الكبر واحتقار الآخرين عند طبقات معينة من المجتمع، ومنها الخوف من زوال مصلحة دنيوية كالملك والمال والجاه، وهذا ما حصل مع هرقل الذي أسلم ثم ارتد حرصا على الملك، ومنها الحسد الذي كان سبب امتناع اليهود العرب من اعتناق الإسلام لحسدهم على ظهور النبي صلى الله عليه وسلم في العرب ونزول القرآن بالعربية.
ولكن هناك أسباب موضوعية لعدم انتشار الإسلام في مكة خلال الفترة الواقعة منذ بداية الدعوة إلى الهجرة منها:
اضطهاد الكفار للمسلمين عند اكتشاف إسلامهم، وهناك قصص كثيرة لهذا الاضطهاد، منها تعذيب بلال بن رباح، ومنها التعذيب والقتل بصورة شنيعة على آل ياسر، وقد بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة جزاء صبرهم. وكان كفار قريش يعلنون هذا التعذيب والقتل أمام الناس لكي يردعوهم عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا يترك أثرا ورهبة في النفوس تمنع الناس من الإقبال والتعرف على الإسلام أصلا.
بل إن 15 من المسلمين في العام الخامس للبعثة فروا وهاجروا بدينهم إلى الحبشة حفاظا على أنفسهم من القتل والتعذيب بعد أن أشار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فعلم الكفار بهم وطاردوهم على الساحل ولكنهم تمكنوا من الإبحار على سفينتين، ثم أنهم سمعوا في الحبشة أن أهل مكة أسلموا فعاد بعضهم إلى مكة، ولما اكتشفوا أن الخبر غير صحيح رجعوا إلى الحبشة ومعهم عدد آخر من المسلمين، وهي الهجرة الثانية إلى الحبشة، وكان عددهم اثنين وثمانين رجلا مع نسائهم وأبنائهم، وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب.
تعرض النبي صلى الله عليه وسلم منذ بداية البعثة إلى مضايقات شديدة جعلته غير قادر إيصال الدعوة بحرية، بل وصل الأمر إلى مطاردته والاعتداء عليه بالضرب، ثم استمر الهجوم عليه حتى وصل إلى التخطيط لقتله، فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة في السنة الثالثة عشرة للبعثة. فكيف يمكن في مثل هذا المناخ إيصال الرسالة إلى الناس بحرية، وبالتالي الحكم على قبولهم لهذه الرسالة أم لا؟
بسبب هذا الاضطهاد والمطاردة للرسول صلى الله عليه وسلم كانت الدعوة خلال المرحلة المكية دعوة سرية حفاظا على سلامة المسلمين وأرواحهم، وعندما تكون الدعوة سرية فإن السؤال المطروح حول عدم انتشار الإسلام في مكة يعتبر سؤالا لا معنى له.
عندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى المدينة استقبله الأنصار، وتكاثر المسلمون في المدينة وانتشرت الدعوة بصورة لا تقارن مع المرحلة المكية، وهذا دليل على أن الإشكالية في عدم انتشار الإسلام في المرحلة المكية لا علاقة لها بالدعوة نفسها، فالدعوة واحدة في مكة وفي المدينة، ولكن الفارق هو مناخ الدعوة، ففي مكة قيدت الدعوة وحوصرت فلم تصل للناس، وفي المدينة كان المجال متاحا لإعلان الدعوة ونشرها فأقبل الناس عليها اقتناعا بأنها الحق.
من الأدلة القوية التي تسقط هذه الدعوى إقبال الناس على الدخول في الإسلام عند فتح مكة بلا حرب. فمكة هي نفسها مكة التي لم تنتشر فيها الدعوة بصورة قوية سابقا، لكن الفارق الآن هو سقوط القيود والمعوقات أمام الدعوة.
وقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وهو خافضا رأسه تواضعا لله بعد أن مكنه، ولم يهدد الناس ليدخلوا الإسلام كما كان الكفار يهددونهم ليكفروا بالإسلام، بل قال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن". (سنن أبي داوود)
وهكذا دخل الناس في دين الإسلام أفواجا، قال تعالى: "إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا". (سورة الفتح)
إذا كان المعيار لقياس مدى توافق الإسلام وقبوله عقلا وفطرة هو مستوى انتشاره كما يقول أصحاب هذه الشبهة، فإن الواقع يسقط هذه الشبهة تماما.
الإحصائيات العالمية تقول إن الإسلام هو أكثر المعتقدات قبولا وتسارعا في الانتشار.. طبعا لا أحد يرفع السيف على رؤوس الناس ليعتنقوا الإسلام كما يدعي الملاحدة.
هذه مصادر غير إسلامية تنص على أن الإسلام هو أعلى المعتقدات انتشارا: