صحيح أن كل شيء نعمله مكتوب حتى قبل آدم عليه السلام، لكن الإشكال الذي يقع عند الكثيرين هو فهمهم لمعنى كلمة "مكتوب".
إذا قلنا إن أعمال البشر مكتوبة فهذا لا يعني أنها محددة لنا سلفا بحيث أننا لا نملك إلا تنفيذها بدون إرادة حرة. وإلا لو قلنا بذلك فإنه يلزم منه أن الحساب والثواب والعقاب كلها لا معنى لها ما دمنا لا نملك الإرادة.
الحاصل هو أن كل ما نؤمن به وما نقوله ونعمله إنما هو بإرادتنا الحرة الكاملة التي نحاسب عليها، وأنها مكتوبة بناء على ذلك، أي أن أعمالنا المكتوبة مسجلة حسب علم الله المسبق بما ستؤول إليه إرادتنا واختيارنا.
لك أن تتخيل هذا العلم المسبق وكأنه تسجيل مفصل لما عملناه، ولكن بدلا من أن يكون التسجيل بعد قيامنا بالعمل كما يفعل الملكين الموكولين بكتابة ما نعمله وما نقوله، وكما يفعل المؤرخون عند كتابتهم التاريخ، فكأنه تسجيل سابق لأعمالنا وأقوالنا لأن علم الله سبحانه علم مطلق لا يقيده الزمن.
مثال لتقريب الصورة، ولله المثل الأعلى: لو أنني سجلت المسار ونقاط التوقف لقطار خلال الـ 24 ساعة القادمة، فهل يعني هذا أنني أجبرت سائقه على شيء؟ أنا فقط علمت هذه الأحداث المتوقعة مستقبلا فسجلتها، مع أن السائق يمكنه مخالفة توقعاتي، فهذا مثال ينطبق علي أنا، لكن الله سبحانه وتعالى يعلم الغيب علما مطلقا، فلا يمكن أن يخرج شيء عما كتبه الله بعلمه.
بقي نقطة مهمة، وهي السؤال: هل يمكن أن تخرج مشيئة المخلوق عن مشيئة الخالق؟ بالطبع لا.. فالآية تقول: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله"، والمعنى هنا هو أن جميع الخيارات التي يشاؤها المخلوق هي داخلة في مشيئة الله، فالمخلوق يمارس مشيئته التي شاء الله أن يهبه إياها بحسب إرادته الحرة التي وهبها الله له أيضا. أي أن مشيئة المخلوق وحريته في الاختيار والإرادة لم يحصل عليها من قبل نفسه وإنما وهبها الله له بمشيئته سبحانه.