تروج هذه الشبهة من غير المسلمين للتلبيس على المسلم بأنه مسلم بلا اختيار ولا إرادة. فكيف يكون الحساب لغير المختار؟
وقد يلتبس الأمر بالفعل على المسلم إذا غاب عنه أن الإنسان إنما يولد على الفطرة وهي عقيدة الإسلام، وأهم مرتكزاتها الإيمان بوجود الخالق وأنه واحد بائن عن خلقه لا يشبههم ولا يتطرق إليه النقص الذي يعتري المخلوقين.
وهذه الحقيقة ذكرها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرانِه أو يُمَجِّسانِه... الحديث." رواه البخاري.
تقول الدكتورة اوليفيرا بتروفيتش، المتخصصة في البحوث النفسية حول الأديان بجامعة أكسفورد: "إن عالمية بعض المعتقدات الدينية (كالإيمان بإله خالق للكون غير متجسد) يمكن عزوها بوضوح إلى أساس تجريبي أكثر من كونها مستقاة من النصوص الدينية. وقد اتضح من البحث في المفاهيم الدينية السابقة أنها متسقة مع تلك الجوانب الأخرى من البحوث التنموية، تلك الجوانب التي توحي بوجود مسلمات معرفية في عدد من مجالات المعرفة الإنسانية." المصدر:
Key Psychological Issues in the Study of Religion. Olivera Petrovich. psihologija, 2007, Vol. 40 (3), str. 351-363
أما الدراسة التي أجراها البروفيسور روجر تريج Roger Trigg من جامعة أكسفورد أيضا فخلاصتها أن الإيمان الديني طبيعة بشرية. يقول البروفيسور تريج: "إن الأطفال على وجه الخصوص يجدون أنه من السهل التفكير بطريقة دينية، كالإيمان بإله عليم بكل شيء"ـ المصدر:
CNN website, May 12th, 2011, by Richard Allen Greene
وتورد صحيفة ميل أونلاين نتيجة الدراسة التي أجراها الباحث بروس هود Bruce Hood، بروفيسور سيكولوجية النمو بجامعة بريستول في بريطانيا، بأن الإيمان بالغيبيات مغروس في الدماغ منذ الولادة، ولذلك فإن الأديان تستمد قوتها من مصدر قوي. المصدر:
Mail Online, 7 September 2009, by Arthur Martin
ومن أهم البحوث في هذا المجال ما قام به جستن باريت Justin Barrett الباحث المتقدم في علم الإنسان والعقل من جامعة أكسفورد، فهو يقول إن الأطفال الصغار لديهم القابلية المسبقة للإيمان برب، لأنهم يعتبرون أن كل ما في هذا العالم مخلوق لسبب. ثم يذكر أن الأطفال لديهم إيمان حتى لو لم يتلقوا تلقينا بذلك عبر المدرسة أو الأهل، ويقول: "لو تركنا أطفالا لوحدهم على جزيرة فنشأوا بأنفسهم فإنهم سوف يؤمنون بالرب". وللباحث كتاب شهير حول الموضوع هو Born Believers (المولودون وهم مؤمنون). المصدر:
The Telegraph Magazine, 24 Nov 2008, by Martin Beckford
ويمكن أيضا ملاحظة هذا الميل الإيماني الفطري عند البشر من خلال دراسة أديان ومعتقدات السكان الأصليين الذين لم يخالطهم أحد، كالسكان الأصليين في أستراليا (aborigines). ومن أوضح الأمثلة على ذلك اعتقادات قبائل الكاباوكو الذين عُثر عليهم في مقاطعة بابوا (Kapauku tribes of Papua) في غينيا الجديدة قرب إندونيسيا، حيث لم يعلم أحد عن وجودهم إلا في العشرينيات من القرن الماضي. وعندما بُحثت أحوالهم ومعتقداتهم وُجد أنهم يؤمنون أن الخالق خارج السماء وأنه خلق كل شيء وأنه قدّر كل شيء منذ الأزل، وأنه لم يلد ولم يولد، وأنه لا يخضع للزمان ولا يتغير، وأنه قد خلق بجانب الخلق المحسوس كائنات أخرى غير محسوسة بعضها للخير وبعضها للشر.
ويمكن الاطلاع على معتقدات هذه القبيلة البدائية المعزولة من خلال ما جرى توثيقه عنهم في بعض الكتب المتوفرة التي يسهل الحصول عليها باللغات الأجنبية.
هناك فرق بين شخص ولد على الفطرة ثم تحول عنها بسبب والديه ومحيطه، ثم بلغ سن التمييز والعقل، فهذا يختار ولا يجبر، وبين شخص ولد أصلا على الفطرة ولم تتغير فهذا كيف يختار والخيار الوحيد لديه هو الانحراف عن الحق؟
الاختيار إنما هو لشخص تبدلت فطرته وانحرفت وهو طفل صغير لا يعي، فيكون له اختيار عقيدته ومنهجه في الحياة، لأنه هنا بين اختيار الحق واختيار الباطل.